بالعودة إلى السويداء وانتفاضتها المتعثّرة/ عمّار ديّوب
مع التفجيرات الإرهابية التي أودت بحياة الشيخ وحيد بلعوس ورفاقه، و»فزعة» كل قرى الجوار نحو مدينة السويداء، وقيام الأهالي بانتفاضة شعبية عارمة احتلوا خلالها غالبية الفروع الأمنية وفرضوا السلطة على المدينة، بدا أن الأمر ليس في حساب النظام أبداً. فهو كان يعتقد أن المدينة ستخاف من التفجيرات، وبالتالي ستصمت وينتهي التذمر الاجتماعي الواسع فيها، وستقوم أدواته الدينية بإلقاء خطب التهدئة وتسكين الآلام وتقبيل اللحى.
وهذا سيكون عندهم، كما رأى النظام، أفضل من أن تأتي جبهة النصرة أو «داعش» ويقطع الرقاب ويسبي النساء ويفرض تغيير الهوية الدينية بحيث يندثر نسل الدروز الذي حافظوا عليه لقرون متلاحقة منذ مطلق الدعوة الدرزية حمزة بن علي. أوهام النظام هذه سقطت وسقطت المدينة خلال يوم واحد فقط.
السويداء لم تحتمل ثقل التحرير على رغم أنها محررة! والسؤال الذي سأله جميع السوريين: ما الخطوة التالية في هذه المدينة الإشكالية. ماذا سيفعل النظام إزاءها، كيف ستدير المدينة شؤونها، هل ستتعامل مع جارتها درعا، هل ستؤمن احتياجاتها عبر الأردن، وهل سيفتح لها حدوده كما طالب البيان الأول والصادر عن شيوخ الكرامة؟ وماذا ستفعل المعارضة لها أيضاً، وماذا سيفعل «داعش» وجبهة النصرة المحيطان بها، وكيف ستتحرك هذه القوى الآن وقد انسحبت قوات النظام فيما قوات المدينة لم تتمكن من فرض سيطرتها، سيما وأن زعيم مشايخ الكرامة الذي قُتل كانت له شخصية كاريزمية وقدرة على فرض السياسات بسرعة كبيرة.
عادة يدمر النظام المدن التي تخرج من عباءته، ولكن السويداء ليست كبقية المدن، فإن قصفها سيجعلها تّتحد فوراً بمدينة درعا، وستشكلان معاً جيشاً حقيقياً في مواجهته، وهو في الأصل يعاني نقصاً في الجنود، وبالتالي سيواجه حالة شعبية جديدة، تُنهي كل مزاعمه أمام مواليه ودول العالم من أن الثورة طائفية، ومعها مزاعم كل الجماعات الطائفية كذلك. وسيكون المجال مفتوحاً نحو العاصمة التي لا تبعد أكثر من مئة كيلومتر عن المدينتين.
إذاً ليس أمام النظام إلا استبعاد القصف والتفاوض وتأمين الخدمات. لكن هذا لن ينجح، فدماء كثيرة هُدرت، وهناك انتهاكات مستمرة ومذلّة للأهالي، وهم لن يقبلوا بها ثانية. لذلك فخياره الوحيد حصارها، وهذا ما قد يُجبر الأهالي الفقراء على قبول التفاوض بخصوص عودته. لكنْ في حال عودته سيكون ضعيفاً بشكل كبير، وسيكون عرضة للإنتفاضة من جديد.
المدينة ودعت شيخ الكرامة والمعارضة لم تستطع استغلال الفراغ، وبالتالي فالمدينة ستعود للخضوع مجدداً للنظام. سيبكي مريدو الشيخ كثيراً، ولكن روحه ستحضّهم على متابعة المسيرة، فهل سيتمكن جيش الشيخ وبقية الأهالي من إعادة تشكيل حركتهم وحماية المدينة مجدداً؟ هذه قضية الساعة في تلك المدينة.
* كاتب سوري.
الحياة