صفحات العالم

بول بوت السوري!


محمد عبد المجيد

الصورة أكثر تعبيرا عن مئة مقال، والحقيقة أكثر وحشية من مئة صورة، واللغة لا تملك في عالم المجازر القدرة على الوصف والشرح ونقل المشهد من عالم الذئاب إلى خيال المتعطشين لمعرفة تفاصيل جحيم حرب الإبادة في سوريا!

لهذا لم أعثر في كَمِّ المعلومات المخيف عن جوانب خفية أكتب عنها لتصف مشاعري تجاه مجازر السفاح الأشر في سوريا الحبيبة.

بعد مقالي ( هل يصبح الجيشان السوري والإسرائيلي جيشاً واحداً) توقفت قليلا عن الكتابة للسبب التالي: كارثة سرقة ثورة 25 يناير في مصر، ولو لم يسرق الغوغاء ثورة شباب أم الدنيا لكان الوضع مختلفاً، وربما لعبت مصر دور الريادة في اسقاط نظام بشار الأسد دونما حاجة لقوات الناتو.

وانشغلت مصر بأوجاعها، وكلما داوينا جرحاً بان جرحُ، حتى برَّأ القضاء مساعدي العادلي وابني المخلوع اللعين، وعاد الفلول بأقنعة جديدة يــُـخرج من تحتها مبارك لسانه لنا: إما أنا أو .. الفوضى!

وخرج اللعين الآخر، علي عبد الله صالح، بعد أن جزأ اليمن، وقتل من أبناء شعبه ما يجعله يستريح أكثر من جلسة تخزين قات بعد ظهر أحد ايام اليمن السعيد.

خرج آمنا، ومعه رجاله وأموال سرقها، وخزائن نهبها، والعالم كله يتفرج على مسرح العرب في مكافأة الطغاة، فكل طاغية يرى نفسه في صورة أخيه الذي مكــّـن له الأصدقاء خروجاً آمنا حتى لو تدفقت الدماء أنهارأً من أنيابه.

سوريا ليس بها بترول، ولن يخسر الضمير العالمي من ذبح الأسد ثلث أبناء شعبنا السوري كما فعل دراكيولا كمبوديا، بول بوت، في منتصف السبعينيات، وهناك مقاطعة اقتصادية يستفيد بها اقتصاد الأغنياء، لكن لن تنتقص المقاطعة قيد شعرة من رفاهية الديكتاتور.. صدام حسين، بشار الأسد، معمر القذافي، فيدل كاسترو، راءول كاسترو، عمر البشير، روبـِـرت موجابي .. وقائمة تطول لكنها لا تضر سيد القصر، بل تطيل عمره لأنه أمام شعبه يتعرض لــ( ظلم الغرب الإمبريالي !).

نبيل العربي وعمرو موسى وكوفي أنان أقنعة لوجه واحد في أزمنة مختلفة، تتحدث عن الظلم، لكنها تتكلم بلغة لا تــُـغضب السفاح ولا تقوم بتعرية.. الصامتين!

حيرتي هي في عثور الطاغية على كل هذا الجيش المفزع من السفــَّـاحين الصغار الذين نزعوا قلوبهم وألقوها في غيابات الجب قبل البدء في المجزرة، مليون رواندي عام 1994 في خلال مئة يوم فقط، وثلث سكان كمبوديا، ولو لم ينتصر ثوار ليبيا لكان نصف الليبيين في باطن الأرض.

بشار الأسد انفصل من جيشه عدة مئات بعد نصف عام، ثم بضعة آلاف بعد أقل من عام، لكن ما يزال هناك مئات الآلاف الذين يعرفون أن حياتهم متوقفة على حياة سفاحهم، ومن قسوتهم فهم مستعدون لذبح أولادهم وأمهاتهم وآبائهم، وقطع رؤوسهم لتسليمها لأسدهم الجبان.

المقاطعة الاقتصادية بوجه عام هي حرب إبادة ضد الأطفال، وكلنا نعرف أن رأس الأسد لو أراد المجتمع الدولي أن يأتي بها لما استغرق الأمر فجرين متتاليين.

الدول العربية قادرة لو أرادت على تنظيم يوم الانتفاضة السورية، إعلاميا وماديا وعتاداً وتعاطفاً، بعد قطع كل العلاقات مع النظام الجزار، ومنع أي طائرة سورية أو قطار أو حافلة أو ذبابة تطن في القصر الجمهوري بدمشق ثم تحاول عبور أي حدود عراقية أو لبنانية أو تركية أو أردنية، أما الانتفاضات المتفرقة والليلية في مدن سورية فهي مصائد يحدد فيها العدو، أي عائلة الأسد، مكان المذبحة القادمة.

لم أفقد الأمل بعد رغم أن بيننا وبين مجزرة قادمة عدة دقائق، لكن سحل عائلة الأسد قبل اخراج الحل اليمني إلى النور، هو الحل العادل.

الخوف من الطائفية، ومن صراع سني شيعي، ومن مذابح ضد العلويين، ومن اشعال شرارة حرب في لبنان، ومن الانتقام الأعمى بعد سقوط جزار دمشق.

هل سيهرب آلاف من الجنود السوريين إلى إسرائيل لطلب اللجوء السياسي، ثم نكتشف أن أكثرهم كانوا تلامذة إيللي كوهين، وأن صناع السياسة السورية الحديثة مزروعون من الموساد في الأرض السورية المخضبة بدماء شهدائها الأبرار؟

الأيام حبلى بأكثر المفاجآت صدمة للعقل العربي عندما نفغر أفواهنا كالبلهاء ونتعجب من أن عائلة الأسد كانت تأتمر بأوامر تل أبيب، لكن تبقى حيرتي كما هي في سؤال لا أجد إجابة عنه: هل لو أن الجيش الإسرائيلي مكان الجيش السوري لكان أغلظ وأقسى وأشرس وأعفن، أم أرحم وألطف وأكثر رأفة؟ الإجابة على لسان أم سورية ذبح جيشُ العروبة كل أبنائها الصغار!

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 12 يونيو 2012

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى