حوار مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلووزير خارجية تركيا: لا لحوار يمنح الشرعية لنظام الأسد
يحذِّر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، في حديثه التالي للصحفي كيرستن كنيبّ، من تفسير العنف في سوريا على أنَّه صراع ديني، لأن هذا لا يصبّ إلاَّ في مصلحة نظام الأسد، ويتساءل كيف يمكن أن يوجد أي حوار إذا اعتبر الأسد معارضيه إرهابيين، ويشدد على ضرورة أن يسلم الأسد كل صلاحياته لحكومة جديدة.
السيِّد وزير الخارجية، يشير العديد من الخبراء إلى أنَّ الخطّ الفاصل بين مؤيِّدي الأسد ومعارضيه في المنطقة له امتدادات طائفية. إذ تعارض كلّ من تركيا والمملكة العربية السعودية وغيرهما من الدول السنِّية بقاء الأسد في الحكم. وفي المقابل تقدِّم الدول الشيعية أو الدول ذات الأغلبية الشيعية مثل إيران والعراق وكذلك حزب الله اللبناني الدعم لنظام الأسد. فهل يمكن الحديث في ظلِّ هذه الظروف عن صراع ديني؟
أحمد داود أوغلو: لا، على الإطلاق؛ لا يوجد أي صراع يدور بين السنَّة والشيعة، بل بين نظام دكتاتوري وشعبه. في مصر وليبيا كان هناك زعماء من أهل السنَّة وقد عارضتهم تركيا أيضًا، وذلك عندما بدأوا في قمع مواطنيهم.
المشكلة الرئيسية في المنطقة ليست مشكلة طائفية بين طوائف مختلفة. بل هي مشكلة قائمة بين المواطنين والهياكل المتبقِّية من الحرب الباردة في شكل أنظمة شمولية ديكتاتورية. وبما أنَّ الكثيرين من العلويين والمسيحيين والدروز يعملون في المعارضة السورية ويكافحون ضدّ النظام؛ فإنَّ هذه الحرب ليست حربًا طائفية – كما أنَّها لن تصبح حربًا طائفية.
لكن في الحقيقة هذا النظام يريد تحويل الصراع إلى حرب طائفية. لأنَّه يستطيع بهذه الطريقة الاحتفاظ بمجموعات مختلفة إلى جانبه. قد توجد في منطقة الشرق الأوسط بعض التوتّرات المذهبية الشديدة للغاية. ولكنّ تركيا لا تعتبِر هذا الصراع صراعًا طائفيًا. وهو في الواقع أيضًا ليس كذلك.
الرئيس السوري بشار الأسد يتحدث مع جنوده في حيّ بابا عمرو في حمص. د ب أ
يقول وزير الخارجية التركي داود أوغلو: “يجب على الأسد تسليم كافة سلطاته إلى الحكومة الجديدة. وإذا لم يحدث ذلك، فإنَّ الحوار لن يحقِّق أي شيء. نحن لا نعارض الحوار من حيث المبدأ، ولكن يجب تحديد مضمونه بشكل دقيق جدًا”.
لقد انتقدتَ بشدة في مؤتمر الأمن في ميونخ فكرة الحوار بين المعارضة السورية وحكومة الأسد. ما هي تحفظاتك على مثل هذا الحوار؟
داود أوغلو: منذ عدة أشهر، أي منذ عام 2011، حاولَت تركيا وكوفي عنان ومن بعده أيضًا الأخضر الإبراهيمي حَمْل بشار الأسد على الدخول في حوار. ولكن الأسد لا يعترف بشرعية المعارضة الموجودة خارج سوريا ويدَّعي أنَّ هذه المعارضة مجرَّد إرهابيين.
إذًا فهل سيعترف “بالائتلاف الوطني السوري” وبقوى المعارضة كقوة جديدة على الساحة السياسية؟ وإذا لم يعترف بالائتلاف الوطني أو بالمعارضة السورية، فعندئذٍ ما هو نوع هذا الحوار يا ترى؟ لا يمكن أن يكون هناك أي حوار إذا اعتبر الأسد كلَّ هؤلاء الأشخاص إرهابيين.
ولكن إذا قُدِّر إجراء الحوار، فعندئذٍ يجب علينا الانتباه إلى عدم تكوين انطباع بأنَّ هذا الحوار يمنح الشرعية لنظام الأسد. وإذا بدأت الحكومة حوارًا مع الثوَّار، فعندها سوف يضفي هذا الانطباع شرعية على سلطة الأسد وسوف تتكوَّن صورة خاطئة. ولكن عندئذ مَن سيكون المسؤول عن قتل سبعين ألف مواطن سوري؟ صار يوجد الآن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، كما تم تشريد الملايين داخل سوريا. من هو المسؤول عن كلِّ هذا؟
وإذا تم إجراء الحوار، فيجب أن يتم تخصيصه لموضوع تشكيل حكومة مؤقتة. وكذلك يجب أن يكون من الواضح أنَّ هذه الحكومة تملك سلطة تنفيذية غير محدودة الصلاحيات – ما يعني أنَّه يجب على الأسد تسليم كافة سلطاته إلى الحكومة الجديدة. وإذا لم يحدث ذلك، فإنَّ هذا الحوار لن يحقِّق أي شيء. نحن لا نعارض الحوار من حيث المبدأ، ولكن يجب تحديد مضمونه بشكل دقيق جدًا.
تمكَّنَ بلدكم، تركيا، في الأعوام الأخيرة من تحقيق نمو اقتصادي مدهش. وكذلك صنعت تركيا لنفسها اسمًا يزداد قوة في السياسة الخارجية. فكيف ترى دور تركيا المستقبلي في منطقة الشرق الأوسط؟
داود اوغلو: نحن لم نطالب لأنفسنا بأي دور في المنطقة قطّ. لكن التنمية في تركيا توصف في المنطقة وكذلك أيضًا على المستوى الدولي بأنَّها قصة نجاح. ولكن كيف حدثت قصة النجاح هذه؟ تعتمد قصة نجاح تركيا على ثلاثة عوامل: الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والسياسة الخارجية النشيطة. وبناءًا على ذلك فإنَّ نجاحنا يعتمد على اتِّباع نهج شامل. فمن دون الإصلاحات لا يمكن تغيير العقليات ولا حتى السياسة والاقتصاد.
مظاهرات في إسرائيل في الذكرى الأولى لهجوم إسرائيل على سفينة مرمرة التركية. د ب أ
نتيجة اقتحام السفينة التركية “مافي مرمرة” تراجعت العلاقات التي كانت في السابق جيِّدة بين إسرائيل وتركيا إلى مستوى منخفض. وفي هذا الاقتحام تم قتل تسعة نشطاء أتراك، بعدما أوقف في 31 أيَّار/ مايو 2010 الجنود الإسرائيليون هذه السفينة التي كانت تحمل مساعدات إلى غزة.
ولذلك نحن ندعم جميع محاولات الإصلاح في الشرق الأوسط. ندعم الحكومات المنتخبة حديثًا في المنطقة. ولا ننحاز لأحد، من خلال تصنيفنا الأطراف الفاعلة ضمن معسكرات محدَّدة. ومَن يصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات، فنحن نعتبره شريكًا وندعمه. وفي الآونة الأخيرة منحنا تونس قرضًا ميسّرًا بقيمة 500 مليون دولار. ومنحنا مصر قرضًا بقيمة ملياري دولار. وأقمنا بالإضافة إلى ذلك لقاءات ثنائية.
وسواء تعلَّق الأمر بالقطاع الصحي، أو بالاتصالات والنقل وسياسة الطاقة، بقضايا “الحكم الرشيد” أو بالإصلاح الديمقراطي: فنحن نريد نقل خبراتنا من أجل مساعدة البلدان الأخرى.
اقتحمَت في شهر أيَّار/ مايو 2010 قوَّات الأمن الإسرائيلية في المياه الدولية السفينة “مافي مرمرة” التي كانت تحمل مساعدات إلى غزة. وفي هذا الهجوم قُتل تسعة مدنيين أتراك. وردًا على ذلك استدعت تركيا سفيرها من إسرائيل، وتراجعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى منخفض. اليوم وبعد نحو ثلاثة أعوام – كيف تبدو العلاقات التركية الإسرائيلية؟
داود أوغلو: نحن لدينا موقف واضح جدًا في هذه المسألة. لقد قتلت إسرائيل مدنيين أتراكاً في المياه الدولية. وهي المسؤولة عن ذلك. وهذه جريمة. ومن جانبنا أشرنا مرارًا وتكرارًا إلى ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات: أولاً يجب على إسرائيل الاعتذار. وثانيًا يجب عليها دفع تعويضات. وثالثًا يجب عليها أن تسمح لنا بتقديم المساعدة إلى غزة. وإذا تم تحقيق هذه الشروط، فمن الممكن أن يكون هناك مجال لتطبيع العلاقات بين البلدين.
نحن لا نقبل بأن يقتل جيش نظامي مواطنينا المدنيين ثم لا يعتذر عن ذلك، كما لو أنَّ لدى هذا الجيش الحقّ في قتل أي شخص في المياه الدولية. ولن نُحسِّن أو نُطبِّع علاقتنا مع إسرائيل إذا لم يتم تحقيق هذه الشروط الثلاثة.
أجرى الحوار: كيرستن كنيبّ
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2013