عبدالله الثاني .. و”التواصل مع العلويين”
خيرالله خيرالله
ليس أصعب من التعاطي مع الوضع السوري ومحاولة التكهن بما سيؤول اليه الوضع في هذا البلد العربي المهمّ. الشيء الوحيد الأكيد أن ما تشهده سوريا منذ ما يزيد على سبعة عشر شهراً هو أمّ الثورات العربية. هناك وضع غير طبيعي في سوريا منذ نصف قرن تقريباً، بل منذ تأسيس الكيان السوري بشكله الحالي قبل ذلك بكثير.
هناك بكلّ بساطة أزمة كيان ونظام في الوقت ذاته في سوريا. ما يدلّ على مدى عمق هذه الأزمة، التي ترافقت مع ولادة الكيان السوري، الانقلاب العسكري الذي حصل في العام 1949 وكان بطله شخصية كاريكاتورية هي الزعيم حسني الزعيم الذي بقي في السلطة أقلّ من ستة أشهر… لكنّه مهّد لسلسلة من الانقلابات الأخرى تخللتها سنوات قليلة كانت فيها حياة سياسية طبيعية في البلد.
أسست تلك الانقلابات لقيام دولة الجهاز الأمني، التي تبدو مستمرة الى اليوم والتي ثار عليها السوريون. رسّخ تحقيق الوحدة مع مصر في العام 1958 تلك الدولة الأمنية. استكمل ذلك وصول حزب البعث الى السلطة في آذار- مارس من العام 1963، مع ما عناه ذلك من تطورات أدت في نهاية المطاف الى سيطرة الطائفة العلوية على مفاصل الدولة إبان تولي حافظ الأسد مقاليد السلطة، كل السلطة، في العام 1970.
كان التغيير الأساسي الذي طرأ على الوضع السوري مع خلافة بشّار الأسد لوالده في منتصف السنة 2000 من شقين. يتمثّل الشق الأول في حصر السلطة أكثر فأكثر بالعائلة الحاكمة. لم يعد هناك تقاسم للنفوذ بين كبار الضباط العلويين الذين كانوا تحت السيطرة المباشرة لحافظ الأسد. استبعد بشّار من كان يسمون “الأمراء”، اي قادة الفرق والألوية والمسؤولين المباشرين عن الأجهزة الأمنية، وحلّ مكانهم أفراد العائلة من المحيطين بالرئيس السوري الجديد.
أما الشق الآخر من التغيير، فقد كان رمزه التقارب السوري- الإيراني، وهو تقارب أخذ أبعاداً جديدة مع وصول بشّار الى السلطة في السنة 2000 وبدء اعتماده بشكل لا سابق له على الأداة الإيرانية في لبنان المسماة “حزب الله”. زاد هذا التقارب عمقاً مع القرار الأميركي باجتياح العراق والتخلص من النظام العائلي- البعثي فيه. كان ذلك في العام 2003. أخذ بشّار الأسد علماً بمدى خطورة هذا التطور على نظامه فزاد التصاقاً بإيران من جهة وراح يطوّر علاقته بـ”حزب الله” من جهة أخرى.
من أخذ علماً بكل هذه التطورات الدراماتيكية التي ترافقت مع تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وجنوح إسرائيل نحو مزيد من التشدد والتعنت كان الملك عبدالله الثاني. سعى العاهل الأردني قبل ثماني سنوات الى تنبيه العرب والمجتمعين الغربي والدولي، على رأسه الولايات المتحدة، الى ما ينتظر المنطقة. تحدث في تشرين الأوّل- اكتوبر من العام 2004 عن “الهلال الشيعي” الممتد من طهران الى بيروت وجنوب لبنان وصولاً الى غزة مروراً ببغداد ودمشق. لم يفهم كثيرون ما كان يعنيه وقتذاك. حسبوا أن الملك الهاشمي معادٍ للشيعة، علماً أنه أقرب الناس اليهم، هو المنتمي الى آل البيت، هو الذي لم تفرّق عائلته يوماً بين سنّي وشيعي، بين مسلم ومسلم، بين عربي وآخر. ألم تكن صور الملك حسين، رحمه الله، في بيوت شيعية لبنانية في الستينات وحتى أواخر السبعينات من القرن الماضي قبل أن ينجح الإيرانيون في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في الوطن الصغير؟
كان عبدالله الثاني يتحدّث في السياسة عن مخاطر المشروع الإيراني الذي صار العراق جزءاً منه والذي نجح في إخضاع سوريا وصار لبنان وفلسطين “ساحتين” من ساحاته. التقط العاهل الأردني باكراً مخاطر سقوط العراق في يد إيران بفضل الهجمة الأميركية. جاءت الأحداث لتؤكد مخاوفه، خصوصاً مع اغتيال رفيق الحريري في شباط- فبراير من العام 2005. كان الهدف من الجريمة التخلص من أهم شخصية سياسية لبنانية وعربية كان يمكن أن تقف وقتذاك في وجه المشروع الإيراني.
قبل أيام صدر تحذير جديد عن عبدالله الثاني. دعا بكل جرأة في حديث أدلى به لشبكة أميركية أساسية الى “مواصلة الضغط من أجل التوصل الى حلّ سياسي” في سوريا وتأمين “انتقال سلمي للسلطة”. أوضح أن طبيعة الصراع تغيّرت وأنه إذا كان بشّار الأسد “لا يستطيع أن يحكم سوريا الكبرى، ربّما سيسعى الى حكم جيب علوي”. لم يكتفِ بإعطاء وصف دقيق للوضع السوري، بل دعا الى “التواصل مع العلويين وجعلهم يشعرون بأن لهم حصة كبيرة في مستقبل سوريا. وهذا مهمّ جداً”. لم يتردد في الإشارة الى أن القيادة السورية لجأت سابقاً الى إحدى المناطق العلوية لدى شعورها بالخطر، موضحاً أن ذلك كان إبان حرب تشرين في العام 1973 عندما كان حافظ الأسد في السلطة!
قد لا يكون كلام العاهل الأردني مستحباً لدى كثيرين. ولكن، هناك في نهاية المطاف مسؤول عربي سمّى الأشياء بأسمائها رافضاً أي مواربة من أي نوع كان. هل هناك من سيسعى الى حلّ سياسي في سوريا يأخذ في الاعتبار الوجود العلوي ووجود الأقليات الأخرى… أم أن الخيار الأسوأ ينتظر سوريا؟ والخيار الأسوأ هو “الهاوية”، التي تعني “حرباً أهلية شاملة لا مخرج منها إلاّ بعد سنين” على حد تعبير عبدالله الثاني.
قال الملك كلمته مرّة أخرى ومشى. هل من سيستمع هذه المرة الى تحذيره؟ أقلّ ما يمكن قوله إن الرجل أدى واجبه، أدّى واجبه العربي تجاه شعبه وأمته.
المستقبل