عن دول بازغة/ سلامة كيلة
في ظل تفاقم أزمة الرأسمالية، ظهر أن دولاً تحاول أن تصبح “دولاً عظمى”، أو أن تفرض حضورها العالمي. من هذه الدول الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، الدول التي حاولت أن “تستقلّ” في سياساتها، وأن تطوّر اقتصادها، وتشاركت مع الصين وروسيا في مجموعة البريكس، حيث كان التوقع بأن تصبح ضمن هذه المجموعة قوة عالمية “تواجه الإمبريالية”، انطلاقاً من أنها تمثل “رأسمالية مستقلة”. وكان يُشار إلى تطورها السريع، وقدرتها على أن تفرض قوتها.
كان متوقعاً أن تهيمن جنوب أفريقيا على محيطها الجنوب أفريقي، فتتحوّل إلى قوة اقتصادية كبيرة. بالطبع، اعتماداً على تطورها الاقتصادي. لكن ما ظهر خلال السنوات السابقة أنها تعاني من أزمات كبيرة، وأن وضعها لم يختلف كثيراً عما كان في زمن “حكم البيض” الذين ظلوا يسيطرون على الاقتصاد. وبهذا، تراجع دورها السياسي بعد “الوهج” الذي اتخذته بالتأسيس على دور نيلسون مانديلا، بحيث بات واضحاً أنها غارقة في أزماتها. كذلك الأمر فيما يتعلق بالبرازيل، حيث حقّق حزب العمال ما عجز “الحزب الاشتراكي” (حزب كاردوسو) تحقيقه فيما يتعلق بتعميم الخصخصة، وشموله مجمل قطاعات الاقتصاد. وبالتالي، خضوعها لسيطرة الطغم المالية، وهذا ما فرض، أخيراً، تنحية الرئيس العمالي. وإذا كانت تطمح أن تلمّ أميركا اللاتينية خلفها فقد فشلت، على الرغم من سيطرة “اليسار” على عديدٍ من دولها، وبدا أن هناك تنافساً بينها وبين فنزويلا. وبهذا، وعلى الرغم من أنها تمتلك صناعات “مهمة” مثل السلاح، فلم تعد قادرةً على الخروج عن هيمنة الطغم الإمبريالية.
تبقى الهند التي لا شك تسعى إلى أن تتحوّل قوةً عظمى، فقد تطوّرت صناعياً، منذ بدأت تطورها بالتحالف مع الاتحاد السوفيتي، وهي تمتلك قدراتٍ علميةٍ مهمة، لكنها تحافظ على بنيةٍ مجتمعيةٍ متخلفةٍ، ومفقرة الى حد كبير. وتعيش مناطق كبيرة فيها حالة تهميش، ومن ريفٍ يعاني التخلف. وهذه المناطق المهمشة وقعت تحت سيطرة أحزاب ماوية، من دون أن تستطيع إخراجها من تخلفها، على الرغم من تحقيق المساواة، ولقد مالت إلى قبول سياسة اللبرلة كذلك. ومالت الهند، في المجمل، إلى التخلي عن “القطاع العام” الذي كان في أساس نهضتها، لمصلحة تعميم اللبرلة، في ظل حزب المؤتمر. وبالتأكيد في ظل الأحزاب الليبرالية التي تحكم منذ عقود. وللطغم الإمبريالية توظيفاتٌ كبيرة فيها (وادي السيليكون). ولا شك في أن عدد سكانها الضخم والمتزايد بشكل كبير لا يتناسب مع تطوّر وضعها الاقتصادي، الأمر الذي يزيد من مشكلتها الداخلية. وعلى الرغم من تصديرها الرأسمال للتوظيف في بلدان أخرى، لا يبدو أن سلعها منافسةٌ في السوق العالمي، وهي لا تمتلك القدرة العسكرية التي تدفعها إلى “التوسّع”، كما تفعل روسيا. وهنا، يقف العائق الصيني مانعاً لها.
فمشكلة الهند هو “صراعها التاريخي” مع الصين، الأمر الذي دفعها إلى التحالف مع أميركا. وبالتالي، إلى تعزز وضعها العالمي بارتباك. وبهذا، يصبح طموحها في أن تتحوّل دولة عظمى مقيَّداً إلى حدٍّ كبير، ولا يبدو أنها، في وضعها الحالي، قادرة على تجاوز هذا الوضع.
تأسيساً على ذلك، نلمس أن “الدول البازغة” لم تبزغ بعد، وأكثر من ذلك هي عاجزةٌ عن ذلك، فلا تطورها الاقتصادي يسمح، في ظل تبعيتها للنمط الرأسمالي، وخضوعها لآليات السوق التي فرضها، ولا قدرتها العسكرية يمكن أن تسعفها في أن “تهاجم”، وتفرض السيطرة على أسواق. ولهذا، هي عُرضةٌ أكثر لأزمة الرأسمالية، ولاستمرارها، ومن ثم لانفجارها المتكرّر.
الزمن الذي كان يؤشر إلى إمكانية هذه الدول على التحوّل إلى “دول عظمى” قد انتهى، وأصبحت خاضعةً لتنافس الدول العظمى من طرف، وإلى انعكاسات أزمة الرأسمالية من طرف آخر. ربما الهند ستبقى سائرةً في مسارها البطيء فقط، لكن الخاضع كذلك لأزمة الرأسمالية.
العربي الجديد