صفحات العالم

إسرائيل «العربية»


حسام عيتاني

فاجأت الثورات العربية إسرائيل، مثل غيرها من دول المنطقة. التقارير المنشورة في الأيام الماضية والحاملة نصائح الأجهزة الأمنية الى حكومة بنيامين نتانياهو، تقول إن الأجهزة والحكومة لم يستوعبا شيئاً مما يجري حول إسرائيل.

لقد دعا «الموساد» والاستخبارات العسكرية وتلك الداخلية («الشين بيت») الى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين لتقليص الأضرار التي يمكن أن تصيب إسرائيل بين أصدقائها الغربيين إذا أصرت على موقفها بتصعيد التوتر مع الفلسطينيين العازمين على دعوة الأمم المتحدة إلى الاعتراف بدولة مستقلة لهم.

يبدو الكلام هذا مستلاً من القاموس ذاته الذي يسحب منه الحكام العرب دعواتهم الإصلاحية بعد فوات الأوان. استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين لا يعني شيئاً غير محاولة بائسة لإطلاق حملة جديدة في مجال الدعاية والعلاقات العامة. فالمفاوضات لم تتوقف إلا بعدما تأكدت لاجدواها بالنسبة للفلسطينيين الذين يُطلب منهم التفاوض على مستقبل أرضهم فيما تأكل المستوطنات ما تبقى منها. بهذا المعنى، لا تكون العودة الى مائدة المفاوضات جائزة تُمنح إلى الفلسطينيين بل دعوة لهم لاستئناف دور الشاهد الخامل.

أبعد من ذلك، تشي هذه الفكرة بحقيقة جلية: تنتمي الطبقة السياسية في إسرائيل الى النظام الإقليمي المتهاوي. ورؤيتها للعالم ومنطقها من رؤيته ومنطقه. ثمة متغيرات زلزالية لا تبدو «النخبة» الإسرائيلية مهيأة للتعامل معها، وتتشارك في ذلك مع الأكثرية الساحقة من «النخب» العربية الحاكمة. وخطاب نتانياهو بعد اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، صادر عن شخص يتلمس طريقه في الظلام. فهو يدرك أن أمراً عظيماً يحدث لكنه غير واثق من الوجهة التي ستسير الأمور عليها لا في مصر ولا في غيرها.

بل يمكن الاعتقاد أن التخبط في معالجة الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية التي سلطت التظاهرات في تل أبيب وحيفا وغيرهما من المدن، الضوء عليها، ورفض المؤسسة الأمنية-العسكرية تخفيض مخصصاتها المالية وصرفها على الشؤون التنموية، التخشب الذي أصاب السلطة في إسرائيل. ويزيد ذلك من العوارض المشتركة بين الحكومة الإسرائيلية والحكومات العربية الواقفة عاجزة أمام ثورات شعوبها.

مبرر أن يرى البعض في السلوك الإسرائيلي «شبهة» عدوى عربية لناحية الإصرار على إنكار الواقع. ومبرر كذلك وضع المواقف الإسرائيلية في سياق الاستمرار في نهج التعالي والغطرسة وتجاهل حقوق الفلسطينيين والعرب الآخرين. فالتمسك برفض الاعتذار عن قتل الناشطين الأتراك، هو الأخ التوأم لاتهام الجنود المصريين بالتواطؤ مع المسلحين الفلسطينيين الذين هاجموا أهدافاً إسرائيلية قرب إيلات في الشهر الماضي.

وفي وسع الإسرائيليين متابعة احتقار آلام ومعاناة غيرهم إلى أن يقضي الله أمراً، لكن عليهم إدراك حقيقة بسيطة هي أن المنطقة تتغير بسرعات وبمقاييس هائلة. وواهم من يظن أنه سيبقى في منأى عن قانون التغير هذا.

اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة وطرد السفير في أنقرة وقرب طرح الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، مسائل تتعامل إسرائيل معها كما تتعامل الحكومات العربية مع مطالب الشعوب المتظاهرة والمحتجة: المزيد من الألاعيب اللفظية واللجوء الى العنف المجنون والكذب وهذا كله يخفي غياب الحد الأدنى من احترام الآخر، من جهة، والقدرة على تصور خطة مستقبلية مهما كانت بسيطة، من جهة ثانية.

عليه، تظهر المقولات عن «حداثة» إسرائيل وقدرتها على استنباط الحلول لمشكلاتها بالاعتماد على العقل والمصلحة، في حاجة إلى إعادة نظر عميقة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى