صفحات المستقبل

قصة اعتقال ناشط فيسبوكيّ


إلتقيت صديقي في حلب مرات عديدة خلال إجازتي، أخبرني خلالها –بناء على طلبي- ما جرى معه بالتفصيل إبان اعتقاله، وها أنا أنقل إليكم بعضه بصيغة المتكلم:

أثناء ساعات العمل المعتادة ذات يوم من هذا الصيف الطويل، وردني اتصال من مكتب الاستعلامات في المؤسسة التي أعمل بها، يفيد بأن عنصري أمن بلباس مدني يسألان عني! اضطربت بالطبع كما أصابتني حيرة شديدة للحظات، تمالكت نفسي واتصلت فوراً بأحد النشطاء من أصدقائي لأبلغه بذلك علني أضمن  وجود من يعلم ما قد حصل في حال تم القبض عليّ.

توجهت إلى العنصرين وقابلتهما، كانت مقابلة روتينية: سؤال عن الإسم، فطلب الإطلاع على بطاقة الهوية الشخصية، ثم إبلاغي بضرورة مراجعة فرع أمن الدولة في منطقة المحافظة صباح اليوم التالي.أخيراً، طلبا مني التوقيع، وطبع بصمة إبهامي أسفل تعهد يفيد بأني سألتزم بطلب الاستدعاء الأمني.بالطبع لم يكن هناك أي ورقة رسمية تفيد معنى التبليغ الرسمي القانوني رغم ما أعلن منذ شهور عن إلغاء حال الطوارئ!

منحني مديري المباشر، ما تبقى من ساعات الدوام كإجازة، وطلب مني الذهاب إلى منزلي لترتيب أموري، طبعاً لم أستطع كما لم أشأ إبلاغ أهلي كي أجنبهم قلقاً مقيتاً لا طائل منه.

قمت بإرسال e-mail إلى أبي المغترب، وعدد من الأصدقاء لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. أخبرت عمّي بالأمر كما أخبرت رجلاً نافذاً من معارفي، وهو طمأنني بأن الأمر روتيني ولا يتعدى في اسوأ الأحوال التهديد والترهيب. تكلمت أيضاً مع أحد النشطاء، والذي حاول بدورهإخباري بما تعلمه خلال دورة لمنظمات حقوق الإنسان، عن أسلوب التعامل مع الأمن، علّني أستفيد من بعض ما ورد فيها. نصحني صديقي هذا بضرورة ارتداء ملابس مريحة وغير ضيقة، وعدم اصطحاب أغراض ثمينة، وبالتهيوء لأسوأ الاحتمالات، كما بتناول الطعام قبل الذهاب إلى الفرع.

توجهت صباح اليوم التالي إلى مقر الفرع، وعند المدخل الرئيسي، المواجه لمدخل قصر المحافظ، وجّهني عنصر أمن مدني مسلح برشاش كلاشينكوف، إلى مدخل خلفي يجب عليّ التوجه إليه.بعد أن دخلت، قاموا بمصادرة هاتفي الخلوي، وطلبوا مني الجلوس في غرفة هي أشبه بممر أو مدخل، تصل إليه بعد اجتياز باحة مكشوفة. غرفة الإنتظار هذه، مزودة بكاميرا مراقبة تتصل مباشرة بمكتب قائد الفرع، حسب ما سمعت من بعض عناصر الفرع.كما تجد في الغرفة عدداً من الكراسي، ولافتة تمنع التدخين والتحدث مع “رواد” الغرفة، كانت الغرفة خالية وبقيت كذلك…

تُركت في غرفة الإنتظار لأكثر من ساعتين، دون أن يوجه لي أي سؤال، ودون وجود أحد معي في الغرفة أصلاً، سواء أكان عنصر أمن أو “مطلوب” مثلي. ومن الكلمات القليلة الذي تناهت إلى مسامعي،الأوامر التي وجهها أحد الضباط –كما قدرت- لمرؤوسيه، لينظفوا جدران “غرفة السجن” بشكل جيد، فلا يبقى أي أثر!! أثار ما سمعت في خيالي صوراً مرعبة… على كل حال كان يتوجب علي الانتظار حتى في الساعة الحادية عشرة،حتى يحين موعد التحقيق الأول معي.

تناوب على التحقيق معي ضابطان في العقد الرابع من العمر: رائد حلبي اللهجة، وقد علمت أنه رائد لأنه سمّي كذلك أمامي. وآخر مقدم ساحليّ اللهجة. أما الملفت جداً للنظر كما للاستغراب، فهو الوجود الدائم لشاب طويل أنيق يرتدي بذة مدنية سوداء. يبدوهذا الشاب كمن يعرف كيف يتصرف ويلبس ويظهر، أي أنه ليس كمن يدعي الأناقة أو حسن المظهر… سمعت أنه محامي جيء به كنتيجة لـ “الإصلاحات” ولإلغاء قانون الطوارئ، وسمعت أيضاً أنه ابن حسن خلّوف ويتابع ما يشبه الـ “دورة” التدريبية!

تبين أثناء التحقيق أنهم يعلمون تماماً عما يتكلمون، إذ كان في حوزة المحقق 45 صفحة مطبوعة من حسابي في موقع facebook. وتشير الدوائر المرسومة بقلم أحمر، إلى بعض العبارات والجمل التي تستحق السؤال والمساءلة… عَلِمَ أحد الأصدقاء من ذوي النفوذ لاحقاً، أن ثلاثة تقارير كُتبت بحقي، أغلب الظن أنها صدرت عن أصدقاء لي من خلال الـ facebook.

ادعى الرائد متباهياً أنه يحمل ماجستير في العلاقات الدولية، أي أنني لست الوحيد الذي يحمل شهادة جامعية!! بينما قال المقدم لاحقاً وبحضور الرائد أنه –أي الرائد- لا يحمل سوى شهادة إبتدائية!! كان أسلوب الرائد مقبولاً، وقال أنه سيخفف من حدة التقرير الذي سيقدمه بحقي، خاصة وأنه قد تلقى توصية للرفق بي حسب قوله. كان الرائد صادقاً في وعده، حسب ما تبين لي من اطلاعي على ما دونه من أقوالي،وتعليقه عليها لاحقاً، فقد ذكر في التقرير ما معناه أنني متأثر بما تبثه القنوات المغرضة كالجزيرة والعربية، وما جرى ويجري في مصر وتونس، وما الأمر إلا حماس واندفاع عاطفي “عابر”!!

أما المقدم فكان شديداً ومعتداً بنفسه جداً، قال لي: أنت تكتب (على الـfacebook) ونحن سنحاسبك بالقانون!! اتهمني بأني خائن وعميل، وأن الطفل حمزة الخطيب الذي جعلنا منه بطلاً وضحية –على حد تعبير المقدم- كان منطلقاً يوم موته لإغتصاب نساء ضباط الجيش!!… إلخ.

كان التحقيق يجري دوماً في مكتب، وكنت أجلس دون أي قيد أو تغطية للعينين حتى، أي أنهم لن يقدموا على عمل يخافون معه أن أعرف وجوههم، كنت مواجهاً لضابط التحقيق، وقد تمّ تدوين أقوالي واطلعت عليها قبل توقيعها.

استمر التحقيق بشكل متقطع حتى السابعة أو الثامنة من مساء اليوم ذاته، وتخللته فترات انتظار في غرفة الانتظار الأولى، وقد علمت أن الضباط يداومون على نوبتين. اضطررت خلال اليوم إلى طلب ماء للشرب وبعض الطعام من العناصر، وقد قدموا لي ما يبدو أنه من مخصصاتهم أو ما يجلبونه معهم لاستهلاكهم الشخصي.

حتى هذه اللحظة لم أكن قد تعرضت إلى عنف جسدي من أي نوع. إلا أن الأمر اختلف بحلول الثامنة مساء، إذ جاءت دورية للفرع بشخصين “يُعتقد” أنهما قد شاركا في مظاهرة طيارة في منطقة شيحان.تم إيقافي قبل وصولهما بمواجهة الحائط، وربط عيني بقطعة قماش لحجب الرؤية عني.

حين يَعلم الفرع بوجود مظاهرة في مكان ما، تُرسل فوراً دورية لترهيب المشاركين فيها وتشتيتهم، والقبض على البعض منهم.في مظاهرة ذلك اليوم وصلت دورية فرع أمن الدولة متأخرة بعض الشيء، فلم تجد من يمكن أن تعتقله، ولكن أفردها يعلمون تمام العلم أنهم سيتعرضون للعقاب في حال عودتهم دون أي “صيد”! فما كان من أفراد الدورية، إلا أن قبضوا على شخصين يسيران في المنطقة ذاتها، وجلبوهما إلى مقر الفرع في منطقة المحافظة. سمعت صراخهما وتوجعهما الرهيبين -تستطيعون تخيل المشاعر التي انتابتني حينها- بتوجيه نظري نحو الأسفل ورغم وجود قطعة القماش التي تغطي عينيّ، إلا أنني تمكنت من رؤية الدماء التي صبغت بلاط الممر حيث أقف، كانا يُضربان بجواري، ويشتمان بأقذع الشتائم، وتلصق بهما كل التهم التي اعتدنا سماعها… بين صرخة وأخرى كانا يقسمان أنهما مجرد عابري سبيل، وأن لا صلة لهما بأية مظاهرة، وأنهما كانا عائدين إلى منزليهما بعد عملهما كخياطين في ورشة خياطة… ها قد كسبنا بغباء سلوك عناصر الأمن “مندسين” جديدين، إن لم يكونا أصلاً كذلك.

بعد دقائق وأنا في وضعيتي ذاتها، اقترب مني عنصر أمن -على ما أقدّر- وسألني عن كلفة دراستي الجامعية!! أجبته، فكافأني بضربتين قويتين متتاليتين على رقبتي، مترافقتين ببعض الشتائم المعتادة، ونعتني بناكر الجميل وما شابه… غريب أمر منطق المؤيدين، الأسلوب ذاته والحجج والمناورة المفتقرة إلى الذكاء نفسها!

لم أقضي ليلتي الأولى في فرع أمن الدولة، بل نقلت إلى فرع الأمن الجنائي قرب مستشفى السلام، ونقل معي أيضاً الخياطان المتهمان بالتظاهر. يبدو أن النقل إلى فرع الأمن الجنائي له عدة أسباب، منها ما هو متعلق بكثافة الاعتقالات، وازدياد عدد المعتقلين حتى بات يفوق قدرة فروع الأمن على الإستيعاب، وأيضاً يتعلق الأمر بالتحقيق مع المعتقل من قبل عدة أجهزة أمنية في آنٍ واحد كما سأوضح لاحقاً.

قضيت ليلتي في قبو فرع الأمن الجنائي برفقة الكثيرين، منهم 40 معتقل متهم بالسلفية حالتهم يرثى لها، ألم وبؤس وبشاعة لا مثيل لها… بدأت قصة هذه المجموعة بشجار عفوي بين 3 أشخاص قرب قصر الضيافة (قصر رئاسي قرب أحد مداخل حلب). تم اعتقال الثلاثة من قبل دورية لمخابرات القوى الجوية، وبعد “التعامل” معهم في مقر الفرع بطريقة أتركها لمخيلاتكم، تقدم شقيق أحد المعتقلين الثلاثة بعرض مفاده أن يدل على أشخاص سلفيين مقابل أن يُطلق سراح أخيه!!

نتيجة قبول الصفقة وتنفيذها تم اعتقال عدة أفراد، ومن خلال الـ “تحقيق” معهم تم التوصل إلى غيرهم وهكذا دواليك، وصولاً إلى اعتقال 70 متهماً بالسلفية، كلهم اعتقلوا بطريقة المداهمة والإقتحام، ومنهم من انتزع من سرير الزوجية عارياً، وكالعادة دون أي مذكرة قانونية. وأفراد المجموعة يتوزعون على مناطق حلب وريفها وأيضاً على ريف إدلب وريف حماه.

تم تعذيب المجموعة في مقر مخابرات القوى الجوية بحلب (منطقة المحلق)، لمدة 11 شهراً على نحوٍ شبه يومي، لو عاينتم أفراد المجموعة لرأيتم أثر هذه الأشهر محفورة في أجسادهم، ويبدو أن التنافس المعتاد بين الأجهزة الأمنية لعب دوره في رفع مستوى الشراسة السائدة أثناء التحقيق،ناهيك عن السمعة الأسوأ المنسوبة لمخابرات القوى الجوية أصلاً.

خلال هذه الفترة التي تقارب السنة، استطاع أهالي المعتقلين معرفة مصيرهم ومكان إعتقالهم… ومعاندلاع الثورة وتطور أحداثها،أضف إليه يأس الأهاليوخوفهم، تجمع ذوو المعتقلين وقاموا بما يشبه المظاهرة المصغرة أمام فرع المخابرات المذكور، فنالوا وعداً بإطلاق سراح المعتقلين سريعاً.

عملياً لم يطلق سراحهم بل تم تحويلهم مثلي إلى فرع الأمن الجنائي –حيث التقيت عدداً منهم- ومنه انتقلوا بعد تحقيق جديد سريع، إلى السجن المركزي في منطقة المسلمية.

يمكنني القول بعد الاحتكاك المتكرر بأفراد هذه المجموعة، سواء في فرع الأمن الجنائي أم في السجن المركزي، بأنهم في غالبيتهم أشخاص متدينون –وهذه بنظري ليست تهمة-، هم ليسوا سلفيين، على الأقل ليسوا سلفيين بالمعنى السلبي للسلفية.

كنت حريصاً هنا، كما طوال فترة اعتقالي، على إبراز أنني من طائفة مختلفة… أردت أن أوضح لمن هم حولي من الأمنيين ومن المعتقلين على حدٍ سواء، أن من غير الممكن اختزال أبناء أي طائفة في موقف واحد.

بعد ليلة أولى ليلاء في فرع الأمن الجنائي، تمّ استدعائي وغيري إلى التحقيق. كان التحقيق يجري في مكتب في الطابق الأرضي أو الأول من مبنى الفرع، بينما توجد الزنازين تحت الأرض.قادونا مغلقي الأعين نحو مكتب التحقيق، حيث جعلونا نجثو متجاورين، مواجهين للحائط على نحو شبه ملاصق، وطبعاً أمست الشتائم بمختلف أنواعها أمراً عادياً في هذه المرحلة.

من موقعنا حيث جثونا، كنا نسمع بشكلٍ جليّ صراخ من يُحقق معه جراء ما يقاسيه أثناء التحقيق! كانوا يستمتعون بجعلنا ننتظر طويلاً، كما كانوا يقصدون بالطبع أن تصل أسماعنا عذابات من سبقنا… لميكن في وسعي سوى أن أصلي، محاولاً طلب مساعدة من هو فوق البشر، على أمل أن تطرد الصلاة الصور المرعبة التي شرعت تعود متدفقة إلى ذاكرتي، مما قرأت لكتّاب أغنوا مكتبة أدب السجون.

جاء دوري، فتم اقتيادي مغلق العينين حافي القدمين إلى داخل مكتب التحقيق، جعلوني أجثو على ركبتي، وأمرت بأن أُبقي كفيّ متشابكين خلف ظهري، لم يقوموا بتقييدي. على مسافة قدرتها بـ 2-3م، جلس أربعة ضباط على ما أعتقد، للتحقيق معي.قيل لي لاحقاً أنهم أربعة، لأنهم لجنة مشتركة تضم ضابطاً من كل فرع أمني.أرجو أن يكون الأمر صحيحاً فهو “إصلاح” يفيد على الأقل في إنهاء مسألة التنقل بين مختلف الفروع لاحقاً. على أي حال بدأت الأسئلة، وتركزت على ما كنت أكتبه على الـfacebook… كنت أجيب حين أستطيع بالقول: أنني كتبت هذه القصة أو تلك الحكمة لأنني قرأتها في مكان ما وأعجبتني، فنقلتها لا أكثر. لكنني كنت أعجز عن الجواب مراتٍ، كمثل حين سئلت عن قصة كتبتها عن حظيرة للمواشي وجزار يأتيها يومياً فيختار منها خاروفاً ليذبحه، ويوم هرب أحد الخواريف من الذبح حوصر من من بقية جماعته وتم قتله… سُئلت عن هذه القصة: “مين ما تقصد بالجزار؟؟ مين الخاروف؟؟” فضلت طبعاً أن أصمت… هل سأجيبه بأنه هو الخاروف وأن من يعبده هو الجزار؟؟…

منذ بداية التحقيق كان الضرب ينهال عليَّ على شكلين، إما على شكل صفعات تطال كامل وجهي لا الخد فقط، كانت تأتي غالباً من جهة الخلف، وأيضاً –وهذه الأفظع- ضربات متتالية شديدة الإيلام على قدميّ العاريتين، بواسطة الأنبوب البلاستيكي المرن والسميك ذي اللون الأبيض الحليبي،ذاك الذي يستعمل في التمديدات الكهربائية ويسمى بالعامية “السيليكونة” كانت نهاية الأنبوب المدببة تبدع في إيلامي…

–     أين تعمل؟

–     في مؤسسة فلان…

–     رب عملك وطني!! لم لست مثله؟؟ كم يبلغ راتبك؟؟

–     خمسون ألفاً (صفعة نوعية أصير معها طريح الأرض).

–     ………….. سنطلب من رب عملك فصلك.(وهذا هو بالفعل ما حصل لاحقاً).

طلبت مني كلمة المرور الخاصة بريدي الإلكتروني، وأيضاً حسابي على الـ facebook وتم تحذيري سلفاً أن أي خطأ في كلمات المرور سيكلفني غالياً!

أمسى لون باطن قدمي المنتفخ بنفسجياً غامقاً، وكانت عملية السير مؤلمة للغاية. في اليوم التالي أخذوا أقوالي وتم تدوينها ووقعت عليها، واليوم الذي تلاه صار لي عندهم “فيش وتشبيه”، أما في نهاية الأسبوع فقد نقلت إلى القصر العدلي.

كانت أبعاد زنزانة الحجز في القصر العدلي 2*1.5م وتضم إلي، شخصين من حلب وواحد من خان شيخون وآخر من الحسكة و5 من إعزاز، قابلت القاضي الذي لا أذكر اسمه الآن، وكان ودوداً ومُطَمئناً، فتشجعت لأتكلم كما أريد وبصراحة، فشرحت له كيف اعتقلت على نحو غير قانوني، وأنني لم أفعل سوى التعبير عن رأيي، وأنني هددت وضربت وعرضت أن أخلع حذائي لأري ما حل بقدمي مثلاً… تدفق الكلام من فمي وكأنني كنت قد حضرت مسبقاً “مرافعتي” هذه.

أمر القاضي بأن أُحال إلى الطبيب الشرعي ليفحصني ويثبت أقوالي بأني تعرضت للضرب والتعذيب.بعد مثولي أمام القاضي نقلت إلى النظارة الكبيرة لقصر العدل، كانت تضم حوالي 40 معتقلاً، لاحقاً تم تكبيلنا جميعنا بشكل تربط معه السلاسل الحديدية بيننا.كنت مقيداً إلى ذاك المتهم الذي انتحل صفة أمنية، ودخل منزل الدكتور عبد الصمد بقصد قتله وعائلته وسرقة منزله، لولا لطف الله ونجاحهم بصده ونزع سلاحه… صرت أنا وهذا المجرم متلاصقين، متشابهين، زميلين…

نُقلنا إلى السجن المركزي في المسلمية، حيث تم استلام أغراضي مني. وصلت إلى القسم المخصص لي، وتم الإعتناء بي من قبل باقي السجناء ضمن إمكانياتهم، وصرت أسير –على قدر ما أستطيع- حافي القدمين علَّ برودة أرضية السجن تخفف من ألم قدمي.

بقيت في السجن المركزي ستة أيام، وبعدها عاينني الطبيب الشرعي ليقول: “ايه ما في شي”، فأجبته فوراً: “ايه طبعاً مافي شي!! أنت تفحصني بعد مرور أكثر من أسبوع على ضربي”… يبدو أن الأمر يتم بهذه الطريقة قصداً، فلا يخل القاضي نظرياً بالقانون، ويشعر المعتقل بشيء من الإنصاف، بينما تؤخر المعاينة لتختفي آثار التعذيب.

أخلي سبيلي بعد أحد عشر يوماً من الاعتقال، ليستقبلني على باب السجن مجموعة من الأحبة والأصدقاء… أحدهم قال لي أنه على الأغلب تم فصلي من عملي. ذهبت صباح اليوم التالي لمقابلة المحاميّ الذي يعد “مفتاحاً” من مفاتيح السلطة في حلب، فطمأنني بأنني لم أعد موضوع ملاحقة من أي نوع…

اتصلت بمديري المباشر ، فأكد لي أنه تم فصلي من العمل، ووعدني بأنه سيكلم صاحب المؤسسة من أجل إعادتي للعمل… علمت لاحقاً بأن صاحب المؤسسة المفرط في وطنيته، كان مصراً على رفض عملي في مؤسسته من جديد. ما زلت لا أعرف إن كان هو من أمر بفصلي مساهمة منه في الجهود الوطنية لمكافحة المندسين، أم أن “توجيهاً” جاءه بذلك.

علمت أيضاً بكم ونوع التعليقات السخيفة والشامتة التي تلقاها أهلي!! وبالسخرية والشماتة والسخافة بل السفالة التي قيلت بحقي على صفحات الـ facebook، ممن أعرفهم، وممن جمعت بيننا مقاعد الدراسة وذكريات جميلة… يا لخيبة الأمل المتجددة. عملت على تغيير كلمات المرور المستعملة من قبلي على الإنترنت، وأنشأت بريداً إلكترونياً جديداً.

ما سبب لي الكثير من سوء الفهم والاتهامات هو لجوئي بعكس فترة ما قبل اعتقالي، إلى حذف من قائمة أصدقائي في الـ facebook،كل من تطاول علي بتعليقاته، واعتقدت أنها تسببت بأذيتي بشكل أو بآخر… منهم من كنت لا أعرفه شخصياً من قبل، ومنهم من عرفته، إنه لأمر مؤسف لكن لا بد منه لأستعيد شيئاً من أماني المفقود، وحريتي المغتصبة.

إنه لأمر مغرٍ حقاً أن يعلم المرء هوية من وشى به، من دبج بحقه تقريراً، يعلم كاتبه مسبقاً بأنه سيكون ذا أثر سلبي عميق عليّ… نُصحت ألا أحاول معرفة هوية كتبة التقارير الثلاثة، رغم أنني أملك بعض الشكوك.

الوضع العام متعب ومحبط، دم يومي ونقاشات مخيبة ومجتمع مشوه، لكنني أبقي على الأمل في نفسي كلما تذكرت زملائي المعتقلين وإصرارهم على العودة إلى التظاهر والنشاط حال الإفراج عنهم، فكما يقول سعد الله ونّوس: “نحن محكومون بالأمل”.

سافرت، تغيرت نظرتي إلى من هم حولي، أتابع نشاطي بوسائل مختلفة، وأبحث عن عمل ما يعينني على أعباء الحياة…

رجا

 http://kebreet.net

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى